إن مسئولية تربية الأجيال، وإعداد النساء والرجال مسئولية عظمى، وإن قضية العناية بفلذات الأكباد، وثمرات الفؤاد من النشأ والأولاد قضية كبرى يجب على أهل الإسلام أن يولوها كل اهتمامهم؛ لأن مقومات سعادتهم -أفراداً ومجتمعات- منوطة بها.
وإنما أولادنا أكبادنا *** فلذاتنا تمشي على الأرض.
ولذلك لا بد من الإعداد لها أيما إعداد، رسماً للمناهج، وإعداداً للبرامج، وتظافراً في الجهود، وتولية للأكفاء، لتتم المسئولية التربوية سليمة من تعثر الخطى، بعيدة عن التناقض والازدواجية، محاذرة للتقليد والتبعية، اعتزازاً بشخصيتنا الإسلامية، وشموخاً في مناهجنا الشرعية، مترسمين هدي القرآن الكريم ونهج السنة النبوية.
إنَّ البيت هو الركيزة الكبرى، وعليه المسئولية العظمى في بناء الفرد، وتقع على كاهله تحديد شخصيات الأبناء، وتكوين ملامحهم الإيمانية، والفكرية، والروحية، والأخلاقية.
يجب إن نربي أولادنا منذ نعومة أظفارهم على الإيمان بالله، وجعلهم يستشعرون الأبعاد الحقيقة لكلمة التوحيد، بحيث يكون إيمانهم نابعاً من يقين ومعايشة، وإدراك لحقيقة الربوبية والألوهية، وفهم واضح لمعنى العبودية.
إن كثيراً من الأسر مع شديد الأسف لا تعنى كثيراً بتأصيل الفهم العقدي الصحيح، زاعمين أن التوحيد من المسلَّمات البدهية التي لا تحتاج إلى مزيد عناية، وتلك -وايم الله- من التسطيح في النظرة، ومن نتائجها توهين الأسس العقدية الصحيحة في نفوس كثير من الأبناء.
والبيت لا يبتنى إلا له عُمد *** ولا عماد إذا لم ترس أوتاد
فعلى الأسرة أن تجتهد في تصحيح سلوكيات أبنائها، وغرس المثل الإسلامية في نفوسهم، وتأصيل الأخلاق الحميدة التي جاء بها ديننا الحنيف، وليكن الأبوان قدوة حسنة لأبنائهم، فلا يكون هناك تناقض بين ما يمارسونه من سلوك عملي، وبين ما ينصحون به أبناءهم في ظلام وكلام نظري.
وينشأ ناشئ الفتيان فينا *** على ما كان عوده أبوه
وإنها لمسئولية عظيمة أن يبني الأبوان شخصية أبنائهم على أساس العقيدة الصحيحة والاعتزاز بمبادئهم وتراث أمتهم، محاطين بالإيمان والهدى والخير والفضيلة، أقوياء في مواجهة المؤثرات المحيطة بهم، لا ينهزمون أمام الباطل، ولا يضعفون أمام التيارات الفكرية الزائفة.
فعلينا أن نتقي الله في أولادنا، ونكون قدوة لهم في الخير، ونحذر من أن نوكل عملية تربيتهم للخادمين والخادمات، فهم ضرر على الأسرة لما يحملونه في الغالب من أفكار وأخلاق وعادات ثبت في الواقع خطرها، وثبت لدى كل غيور شرها وضررها، ونبعدهم عن قرناء السوء، ونتابعهم في صلواتهم، وخلواتهم، وجلواتهم، ونكون الرقابة المكثفة المقرونة بمشاعل المحبة والحنان والشفقة.
حذارِ أن تتسلل إلى الأسرة ألوان من الغزو الفكري والأخلاقي، فتهدم ما بنيناه، وتنقض ما شيدناه، نحثهم على الخير والفضيلة والهدى، والبعد عن الرذيلة والشر والردى.
كما تشمل المسئولية الأسرية حسن اختيار الزوجين على أساس الدين والأمانة والخلق، قال صلى الله عليه وسلم: {إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه؛ إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير }
وبهذا الاختيار الحسَنَ، ينشأ جيل من الأفراد الصالحين الذين يحققون العبودية الخالصة لله رب العالمين.
كما تتضمن المسئولية الأسرية، حُسنُ العشرة بين الزوجين، والقيام بالواجبات، وأداء الحقوق، والتعاهد على التربية، يقول سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ )
فكيف يهنأ والد بالعيش وهذا الوعيد الشديد يطرق سمعه، وهذه العاقبة المحزنة تهدد أولاده
إن حقاً على أهل الإسلام أن يقوموا بمسئوليات في تحقيق نصرة هذا الدين بكل ما أوتوا من إمكانات، وأن تتكاتف في ذلك جميع القنوات.
الأسر والبيوتات، الأباء والأمهات، المدارس والجامعات، المساجد والإعلام والمنتديات، الشعوب والحكومات، والمجتمع بكافة فئاته، ووسائل الإعلام بشتى قنواتها مسموعها، ومقروءها، ومرئيها، الكل يؤد واجبه، في التربية والبناء، وغرس القيم والأخلاق في البنات والأبناء، ليخرج جيل مثالي من الرجال والنساء، وبذلك يتحقق الأمر المنشود، ويتجدد المجد المفقود، والتطلع المعقود، وما ذلك على الله بعزيز.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ )