آليات حماية الطفولة التونسية
تعتبر حماية الطفولة من الأولويات الوطنية حيث تتدخل العديد من القطاعات
بصفة مباشرة في وضع البرامج والآليات وفق توجهات وطنية طموحة تراعي خصوصيات
الفئات المستهدفة والإمكانيات المتوفرة وتتماشى مع مقتضيات التشريع الدولي
والاختيارات على المستوى ألأممي، وانطلاقا من أن مفهوم حماية الطفل إنما
يعني الحق الأساسي في التمتع بمختلف التدابير الوقائية ، ذات الصبغة
الاجتماعية والتعليمية والصحية وبغيرها من الأحكام والإجراءات الرامية إلى
حمايته من كافة أشكال العنف أو الضرر آو الإساءة البدنية أو المعنوية أو
الصبغة أو الإهمال أو التقصير التي تؤول إلى إساءة المعاملة أو الاستغلال.
فقد تعددت برامج حماية الطفولة وتنوعت لتشمل جل الفئات ذات الاحتياجات
الخصوصية واعتمدت هذه البرامج في تنفيذها على متدخلين من مختلف الاختصاصات
والمجالات والقطاعات.
أما على مستوى التشريع والذي يعد من أهم آليات الحماية فقد شهد خلال
العشرية الأخيرة تحولا جوهريا على مستوى المبادئ والمفاهيم الأساسية
المعتمدة تتمثل بالخصوص في ايلاء مصلحة الطفل الفضلى الاعتبار الأول، طبقا
للمبدأ العام المنصوص عليه بالمادة 3 من اتفاقية حقوق الطفل والذي كرسه
المشرع في مجلة حماية الطفل بتأكيد ضرورة اعتبار مصلحة الطفل الفضلى في
جميع الإجراءات التي تتخذ شأنه سواء من قبل المحاكم أو السلطات الإدارية أو
مؤسسات الرعاية الاجتماعية العمومية أو الخاصة.
وقد أبرزت العديد من
التقارير الدولية المكاسب الوطنية الهامة التي حققته تونس خلال العشرية
الفارطة في مجال حماية الطفولة حيث تمثلت أهم الإنجازات في هذا المجال فيما
يلي :
في المستوى التشريعي:
لقد بادرت تونس بالمصادقة على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل منذ سنة
1991. كما تولت إصدار مجلة حماية الطفل سنة 1995 والتي تعتبر مكسبا تشريعيا
رائدا انفردت به تونس في محيطها العربي والاسلامي والإفريقي، مما أهلها أن
تكون ضمن طليعة البلدان التي سنت تشريعات متطورة لفائدة الطفولة.
وفي إطار هذا التمشي حرصت تونس على تنقيح عديد القوانين بهدف تحسين
الوضعية القانونية والمدنية للطفل في مختلف المجالات (مجلة الأحوال الشخصية
- المجلة الجنائية - مجلة الإجراءات الجزائية - مجلة الالتزامات والعقود –
قانون المخدرات - قانون إسناد لقب عائلي للأطفال المهملين أو مجهولي
النسب...) وإصدار عديد من الأوامر والقرارات والمناشير الوزارية لضبط
الإجراءات الكفيلة بتحقيق حماية ورعاية الطفولة وهو ما كرسه الإجراء الرائد
و المتمثل في إصدار مجلة حماية الطفل. وتعززت هذه المنظومة التشريعية
الأساسية بمصادقة تونس على الاتفاقية الدولية للشغل عدد 138 المتعلقة بالسن
الأدنى لتشغيل الأطفال والاتفاقية الدولية عدد 182 المتعلقة بأسوأ أشكال
تشغيل الأطفال. وبانضمام تونس إلى البرتوكولين الإختيارين الملحقين
باتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة وبشان بيع
الأطفال واستغلالهم في البغاء وفي المواد الإباحية، كما تم إحداث خطة قاضي
الأسرة وقاضي الأطفال وتعيين ما يفوق 80 قاضيا للاضطلاع بهذه الخطط من
مجموع 1500 قاضيا. كما تم إحداث وتعميم سلك مندوبي حماية الطفولة بمختلف
الولايات وإقرار خطة مندوب عام لحماية الطفولة وذلك لتطوير التدخلات
الوقائية والحمائية، للطفولة المهددة وإكسابها صبغة قانونية وإلزامية
بالخصوص من خلال إقرار واجب إشعار المندوب بوضعيات التهديد والتي يتخذ
إزاءها تدابير حمائية مختلفة بالتنسيق مع القضاء.
في مستوى البرامج و المؤسسات:
لقد حرصت الدولة خلال العشرية المنقضية على وضع العديد من البرامج وإحداث
الهياكل والمؤسسات في مجال حماية الطفولة نذكر منها بصفة خاصة البرنامج
الوطني للعمل الاجتماعي في الوسط المدرسي الذي انطلق سنة 1991 وتشرف على
تسييره وزارة الشؤون الاجتماعية والتضامن بالاشتراك مع وزارة التربية
والتكوين ووزارة الصحة العمومية. ويعتبر هذا البرنامج منظومة تدخل متكاملة
للوقاية من الانقطاع المبكر عن التعليم ومن مظاهر عدم التكيف المدرسي
للتلميذ ويغطى هذا البرنامج حاليا 30% من المدارس البتدائية والإعدادية
والمعاهد الثانوية.
كما تم إحداث مكاتب الإصغاء والإرشاد داخل المدارس الإعدادية والمعاهد
الثانوية منذ سنة 1999 بلغ عددها 198 مكتبا سنة 2001-2002 وتشرف عليها
وزارة التربية والتكوين بالتنسيق مع وزارتي الشؤون الاجتماعية والتضامن
والصحة العمومية. وقد بلغت على امتداد 4 سنوات نسبة تغطية المدارس
الإعدادية والمعاهد الثانوية بهذا البرنامج 20 % من مجموع المؤسسات.
كما اتجهت الجهود إلى دعم برامج الإيداع العائلي والكفالة للأطفال
الفاقدين للسند العائلي وإحداث 4وحدات عيش تسيرها جمعيات داخل الجمهورية
للاحتضان الوقتي للأطفال الرضع في انتظار تسوية أوضاعهم القانونية
والاجتماعية والعائلية والترفيع في مقدار المنح المسندة للعائلات التي
تحتضن أطفالا فاقدين للسند العائلي في إطار صيغة الإيداع العائلي.
كما تطورت خلال العشرية المنقضية شبكة الهياكل والمؤسسات المختصة في
حماية الطفولة وتدعمت وظائفها وأدوارها حيث تم بالخصوص بعث مركز نموذجي
لملاحظة الأطفال الجانحين في طور ما قبل الحكم من طرف وزارة الشؤون
الاجتماعية والتضامن يتولى إعداد تقارير ملاحظة للأطفال الموجهين من طرف
قضاة الأطفال في إطار عمل متعدد الاختصاص قصد إنارة سبل القضاء، بالإضافة
إلى إحداث 10 مراكز للدفاع والإدماج الاجتماعي تتمثل مهامها الأساسية في
الكشف المبكر عن الانحراف والجنوح والتوجيه والإرشاد والإحاطة الاجتماعية
والتربوية بالأفراد والعائلات المعرضة لصعوبات التكيف الاجتماعي وإحداث
مرصد الإعلام والتكوين والتوثيق والدراسات حول حماية حقوق الطفل بوزارة
شؤون المرأة والأسرة والطفولة (أمر عدد 327 سنة 2002 مؤرخ في 14 فيفري
2002) وإعادة هيكلة المراكز المندمجة لشباب والطفولة بوزارة شؤون المرأة
والآسرة والطفولة والتي يبلغ عددها 21 مركزا ويستفيد من خدماتها أكثر من
1000 طفل وتطوير برامجها وتدخلاتها وإحداث مؤسسات رعاية الطفولة بنظام
النصف إقامة أو المتابعة بالوسط العائلي حيث بلغ عددها 67ويبلغ عدد
المنتفعين بخدماتها أكثر من 5000طفل بما يضمن تقديم خدمات تربوية واجتماعية
ملائمة لحاجيات الأطفال المعرضين لوضعيت فقدان السند العائلي إلى جانب
تطوير الخدمات المقدمة من طرف المعهد الوطني لرعاية الطفولة الموجهة لفئة
الأطفال الفاقدين للسند العائلي والمتراوحة أعمارهم ما بين يوم و6سنوات.
إلى جانب إحداث صندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق لحماية المطلقات وأبنائهن.
وفي نطاق الحرص على إدماج و تأهيل الأطفال المغادرين لمراكز الإصلاح تم وضع
برنامج يمكن الأطفال الجانحين من الانتفاع بخدمات صندوق تأهيل وإدماج
الأطفال في مجالات مواصلة التعليم أو التكوين أو التدريب المهني أو بعث
مشاريع للحساب الخاص.
وهكذا فقد أولت تونس اهتماما كبيرا لحماية الطفل فسنت التشريعات
الرائدة ووضعت البرامج والهياكل المتعددة والمتنوعة بما يوفر شبكة واسعة من
الخدمات والتدخلات الوقائية والحمائية تضمن حماية الطفل من الإساءات
والتهديدات، إلا أن تكريس الرؤية الديناميكية لحماية الطفل في مجتمع متحفز
إلى مزيد من التقدم ويعيش تطورات متواصلة على جميع المستويات، يقضي مواصلة
تدعيم المكاسب القانونية والمؤسساتية بانتهاج مقاربة استراتيجية متكاملة في
مجال الحماية تحرص على معالجة التحديات التي لاتزال مطروحة أساسا على
مستوى:
- الصعوبات في تنفيذ بعض التدابير القانونية والإجراءات القضائية
والإدارية لحماية الطفل نتيجة نقص الآليات والإجراءات التطبيقية لذلك.
- ضعف التكامل والتنسيق بين مختلف الأطراف المعنية وتعدد المقاربات
والمناهج في التدخل في مجال حماية الأطفال وهو ما يتطلب بلورة رؤية شاملة
ومندمجة تحدد أدوار مختلف الأطراف ومجالات تدخلها .
- ضعف نسق مواكبة خدمات الهياكل والمؤسسات العاملة في ميدان الحماية
لتطور حاجيات الطفولة في هذا المجال والناتجة عن التحولات الاجتماعية
والاقتصادية، حيث بقيت هذه الخدمات لدى مختلف المتدخلين تطغى عليه الصبغة
العلاجية وهو ما تطلب مزيد التركيز على الجانب الوقائي خلال العشرية
المقبلة .
- تواصل وجود بعض مظاهر عدم المساواة بين فئات من الأطفال
في الأحكام القانونية كالسن الأدنى للزواج بالنسبة للذكور والإناث وحق
اكتساب الجنسية التونسية بصفة آلية للطفل المولود من أم تونسية وأب أجنبي.
- عدم التوازن بين الجهات والوسطين الريفي والحضري فيما يتعلق بتوفير خدمات الحماية من برامج ومؤسسات.
- ضعف المنظومة الإعلامية في مجال حماية الطفولة وفي الإعلام والتعريف
بحقوق الطفل وبالخدمات والبرامج المتوفرة لحمايته وذلك لدى مختلف الأطراف
وخاصة الأسرة.
كما يمثل ضعف انخراط النسيج الجمعياتي ومساهماته غير المتوازنة
وغير المنسجمة بالقدر الكافي مع الأولويات الوطنية والحاجيات الجهوية ومع
ما تنجزه الهياكل العمومية من برامج وتدخلات في مجال حماية الطفولة من أهم
الصعوبات إلى تحول دون إرساء صيغ تدخل ناجع يندرج في إطار شبكي تتكامل فيه
الاختصاصات المتعددة. هذا بالإضافة إلى النقص على مستوى مضامين برامج
التكوين الأساسي في أغلب الاختصاصات الصحية و الاجتماعية والتربوية
والقانونية المتعلقة بحماية الطفولة. إلا أن دقة هذا العمل وتعدد الأطراف
المعنية به تستدعي مزيد الجهد من أجل تلافي الإشكاليات المطروحة خلال فترة
الملاحظة حيث لا يتوفر حاليا نظام خاص بالملاحظة بالنسبة للأطفال الخاضعين
لهذه الحالة في الإصلاحيات.
أما بالنسبة للأطفال الجانحين فإن اعتماد محاكم الأطفال صيغة الملاحظة
في الوسط المفتوح لا يزال إجراء ضعيف التطبيق بالرغم من توفر الهياكل
والمؤسسات الاجتماعية على غرار أقسام النهوض الاجتماعي ومراكز الدفاع
والإدماج الإجتماعي.
أما خلال فترة المحاكمة فإن أهم الإشكاليات تتمثل في ضعف نسب تفرغ قضاة
الأطفال في عديد من المحاكم الابتدائية وقلة التشاور مع المختصين في شؤون
الطفولة كما نصت عليه مجلة حماية الطفل.
وخلال فترة ما بعد المحاكمة فإنه يلاحظ محدودية النتائج في مجال
الإدماج الاجتماعي والعائلي والتربوي للأطفال الجانحين بسبب ضعف فرص
التكوين المتاحة لفائدتهم بمراكز التدريب وصعوبة المتابعة الاجتماعية بعد
انتهاء قرة الإصلاح لنقص التنسيق وتبدل المعلومات بين مختلف المتدخلين.
كما يسجل خلال هذه الفترة أن الفتاة الجانحة تواجه صعوبات أكثر من
الفتى في مجال الإندماج في الوسط العائلي والاجتماعي نتيجة تأثير عوامل
ثقافية واجتماعية خاصة في بعض الأوساط، بالإضافة إلى صعوبات في إعادة إدماج
الأطفال الجانحين والمحكوم عليهم في المدارس بما يمكنهم من مواصلة تعليمهم
بسبب بعض التأويلات للنظم الداخلية لمؤسسات التعليم من قبل بعض المديرين.
وعلى الرغم من أهمية التحديات التي تنتظرنا في مجال بلوغ مستوى نوعي في
رعاية الطفولة فإن المكاسب المحققة في بلانا تمثل أرضية ملائمة لاقتحام
طور جديد خلال العشرية الحالية (2002- 2011)، من العمل لرفع الرهانات
المطروحة، ولتحقيق ما ننشده من رفاه للطفل التونسي.
ولقد اعتمدت خطة العمل الوطنية في ضبط أهدافها الكمية على المؤشرات
والإسقاطات الإحصائية المتوفرة على الصعيد الوطني من خلال ما تم إنجازه من
دراسات ومسوحات في إطار إعداد المخطط العاشر وسيتم تعديل بعض المعطيات و
المؤشرات وفقا لما ستفرزه نتائج التعداد العام للسكان والسكنى لسنة 2004
بما يضمن دقة البيانات والمؤشرات ونجاعة البرامج المقترحة وفاعلية عملية
المتابعة والتقييم.